بقلم: د. فؤاد بن عبده محمد الصوفي*
بُعَيد انقضاء شهر الصوم أتت الأشهر الحرم وهي موسم جديد تُعًظَّم فيه حرمات الله وشعائره، فيها العشر الأول من ذي الحجة الأيام المفضلة التي يحج الناس فيها وتلهج ألسنتهم بالذكر والتكبير وتنشط جوارحهم بأعمال البر المتنوعة فليس هنا لك أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من أيام العشر.
ومن فضل الله وتوفيقه أن يقضي المسلم وقته في كثير من العبادات المتنوعة والمختلفة؛ وحتى لا يمل المسلم ولا يصيبه الفتور فإن الله جل في علاه قد نوَّع له العبادات من حيث النوع وعدَّد له الأوقات من حيث الأزمنة وفضل له بعض البقاع والأمكنة. فمن العبادات مكتوبة ومنها ماهي مندوبة؛ الأولى ليختبر اللهُ المطيع والثانية ليختبر الراغب المحب النَّهِم الشرِه. ونحن نعيش عشر ذي الحجة التي أقسم الله بها فقال سبحانه: ((والفجر وليال عشر)) (الفجر: 1-2)، هذا القسم العظيم لا يوحي بدلالته على حكم شرعي موجب مباشر وإنما يوحى أن هذه الليالي ليالي فاضلات عظيمات أقسم الله بها لعظمها وفضلها والمؤمن الطمع يدرك هذا الأسلوب القرآني الذي عدل فيه المولى عن الأمر ذلك لأن العمل فيها لم يعدُ كونه في دائرة الاستحباب وليستنهض القلوب الراغبة والهمم النبيهة من خلال ذكر فضل تلك الأيام فحسب.
قال تعالى: ((ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)) [الحج:28] فهي أيام الحج والعمرة وهي شعيرة العمر حيث تهوي أفئدة الناس إلى مهبط الوحي يرحلون إليها من كل حدبٍ وصوب وينطلقون إليها من كل فج عميق..
(( ليشهدوا منافع لهم وليطوفوا بالبيت العتيق)) [الحج:29].
هذه الشعيرة العظيمة قد لا يتمكن كل مسلم من القيام بها ولكن هناك طرق أخرى للذي لا يستطيع يعيش فيها الجو الروحاني الذي يعيشه الحاج، فقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم على فعل كل عمل صالح فيها كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ) – يعني : أيام العشر – قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ (قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء . رواه أبو داود ( 2437 ) وابن ماجه ( 1727 ) وأحمد ( 1969 ) . وقال أيضا كما في حديث جابر رضي الله عنه: ( أفضل أيام الدنيا أيام العشر) رواه البزار ، صحيح الجامع رقم (1133). فهي أيام فيها أنواع عديدة من العبادات من صلاة وصيام وصدقة وحج وعمرة ولا يتأتى ذلك إلا في موسم الحج (فتح الباري (2/524).
قال ابن رجب ” وقد دلت هذه الأحاديث على أن العمل في أيام ذي الحجة أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده ” (لطائف المعارف 520 – 521) وقد دأب السلف الصالح على المحافظة على صيام العشر و إحيائها فاشتهر عن بعض الصحابة كابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصوم عشر ذي الحجة (لطائف المعارف 522).
وأما قيام ليالي العشر فقد استحبه الشافعي وغيره وكان سعيد بن جبير إذا دخلت عشر ذي الحجة اجتهد اجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه وروي عنه: لا تطفؤوا سرجكم ليالي العشر.
وإن إدراك المسلم مواسم الطاعات لهي فرصة عظيمة من الله تعالى لعباده ليستغلوها في طاعاته وفي اغتنام فرصة الأيام المتبقية من العمر فقد تكون آخر فرصة، فاحرص فيها أخي القارئ على صيامها وقيامها وتلاوة كتاب الله والإكثار من الصدقة والذكر والتكبير …وغيرها من الأعمال الصالحة.
واغتنم فرصة الليالي البواقي ***ذهب العمر عنك والوزر باقي
وإذا فاتك السباق فإلحق ***وإذا جـــــاوزوا فقم للحاقي
و الق ما في يديك من كل شيء ***وارمــه للفراق قبل الفراق
ربنا وفقنا لطاعاتك وذلل لنا سبلها وثبتنا عليها يا أكرم الأكرمين والحمد لله رب العالمين..
*المشرف العام على مركز الوفاق الإنمائي الدولي
شكرا لكم
وفقكم الله