إعداد: محفوظ
إفان حسين، طالب
البكالوريوس في العلوم السياسة
كانت
كفاح إندونيسيا من أجل الاستقلال عن الحكم الاستعماري الهولندي عملية معقدة
ومتعددة الجوانب استمرت على مدى قرون. وبينما لعبت الجهود السياسية والعسكرية
أدوارًا حاسمة، كان تأثير العلماء الإسلاميين (الذين يُعرفون باسم
"العلماء") محوريًا
في تشكيل الأساس الأيديولوجي وتعبئة الجماهير نحو هدف الاستقلال. فقد خدم العلماء
كقادة روحيين وفكريين، يوجهون الحركات الدينية والوطنية على حد سواء، مما ساهم
بشكل كبير في تأسيس إندونيسيا كدولة مستقلة في عام 1945.
النضال
الاستعماري والتأثير الإسلامي
عاشت
إندونيسيا تحت الحكم الاستعماري الهولندي فترة مقاومة طويلة ومعقدة تقاطعت في كثير
من الأحيان مع المشاعر الدينية. ومع انتشار الإسلام في الأرخبيل الإندونيسي منذ
القرن الثالث عشر، أصبح الإسلام جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي
للمجتمع بحلول الوقت الذي وصلت فيه القوى الاستعمارية الأوروبية. وعندما اشتد
الاستعمار الهولندي في القرن التاسع عشر، بدأ العديد من العلماء في تأطير الكفاح
ضد الهيمنة الأجنبية كجزء من واجب ديني أكبر، يُعرف باسم "الجهاد
في سبيل الله". وقد أعطى
هذا الخطاب الديني قوة للقادة والمجتمعات المحلية على حد سواء ليروا في نضالهم
هدفًا دينيًا إلى جانب كونه هدفًا سياسيًا.
أوائل
القرن العشرين: العلماء والحركة الوطنية
بحلول
أوائل القرن العشرين، ظهرت في إندونيسيا حركات وطنية حديثة. وكان العديد من هذه
الحركات متأثرًا أو مدعومًا من قبل العلماء الذين قدموا إرشادًا روحيًا وعمليًا
للنضال من أجل الاستقلال. منظمات مثل "ساريكات
إسلام" (SI)، التي تأسست
في عام 1912 على يد الحاج سامانهودي وقادها فيما بعد هوس تشوكرو أمينوتو، لعبت
دورًا حيويًا. بدأت هذه المنظمة ككيان اجتماعي واقتصادي للتجار المسلمين، لكنها
تحولت إلى منبر أوسع للمشاعر الوطنية والمناهضة للاستعمار.
كما أسس
العلماء مؤسسات تعليمية مثل "المدارس
الإسلامية" التي
كانت ضرورية في تعزيز الوعي الوطني المستند إلى القيم الإسلامية. شخصيات مثل
"كياي حاجي أحمد دهلان"،
مؤسس حركة "المحمدية"
في عام 1912، دعوا إلى إصلاح الفكر الإسلامي والممارسات.
وقد ساهمت جهوده لتحديث التعليم ونشر فهم شامل للإسلام في تطوير جيل جديد من
المسلمين المثقفين والوطنيين.
ومن
الشخصيات الهامة الأخرى "كياي
حاجي هاشم أشعري"، مؤسس
"نهضة العلماء" (NU) في عام
1926. أصبحت "نهضة
العلماء" منظمة
إسلامية رائدة تدافع عن القيم الإسلامية التقليدية، وفي الوقت نفسه، قاومت الحكم
الاستعماري. دعا أشعري وقادة "نهضة
العلماء" إلى
الدفاع عن الوطن (حب الوطن من الإيمان)، مما دمج التعاليم الإسلامية مع الشعور
بالواجب الوطني
.
الاحتلال
الياباني وفتاوى المقاومة
خلال
الحرب العالمية الثانية، احتلت اليابان إندونيسيا من عام 1942 إلى عام 1945، مما
وفر فترة وجيزة من الراحة من الاستعمار الهولندي، لكنها في النهاية فرضت سياسات
استغلالية وقاسية. وعلى الرغم من وعود اليابان الأولى بالتحرير، رأى العديد من
العلماء في الاحتلال شكلاً آخر من أشكال الهيمنة الأجنبية. وخلال هذه الفترة، لعب
العلماء دورًا حاسمًا في الحفاظ على الروح المعنوية بين الشعب ومقاومة المحتلين.
أصدر عدد
من العلماء البارزين فتاوى رفضوا فيها التعاون مع القوات اليابانية ودعوا إلى
المقاومة. وشهدت هذه الفترة إنشاء منظمات مثل "ماشومي"
(مجلس شورى المسلمين في إندونيسيا)، الذي تأسس لتوحيد
المسلمين سياسيًا وتوفير منبر للعلماء لطرح أفكارهم ووضع استراتيجيات لفترة ما بعد
الاحتلال.
إعلان
الاستقلال
في 17
أغسطس 1945، أعلنت إندونيسيا استقلالها عقب استسلام اليابان في نهاية الحرب
العالمية الثانية. وكان هذا الحدث العظيم مسبوقًا بمشاركة كبيرة من العلماء. إلى
جانب القادة الوطنيين مثل سوكارنو وحاتا، كان العلماء جزءًا لا يتجزأ من جمع الدعم
الشعبي للاستقلال. وكجزء من التحضير للاستقلال، تم تضمين القادة الإسلاميين في
صياغة "البانكسيلا"،
الوثيقة الفلسفية التأسيسية لإندونيسيا، التي استوعبت تطلعات مختلف الجماعات
الدينية بما في ذلك المسلمين.
الجدير
بالذكر أن العلماء استمروا في تشكيل الجمهورية الناشئة بعد الاستقلال. وقد شارك
قادة من "المحمدية"
و"نهضة
العلماء" وغيرها
من المنظمات الإسلامية في المشهد السياسي الإندونيسي المبكر، مما ضمن أن القيم
الإسلامية بقيت جزءًا من الخطاب الوطني.
الخاتمة
لم يكن
العلماء في إندونيسيا مجرد شخصيات دينية، بل كانوا أيضًا وطنيين لعبوا دورًا
حاسمًا في تشكيل نضال البلاد من أجل الاستقلال. من خلال قيادتهم، وإصلاحهم
التعليمي، وإصدار الفتاوى، والتوجيه الروحي، حشد العلماء الجماهير وقدموا إطارًا
دينيًا وأخلاقيًا للنضال ضد الاستعمار. وقد أسهموا في تأسيس إندونيسيا كدولة
مستقلة، حيث تظل القيم الإسلامية جزءًا هامًا من الحياة السياسية والثقافية للأمة